كتاب: مع الناس (علي الطنطاوي)
كتاب: مع الناس
المؤلف: علي الطنطاوي
الناشر: دار المنارة
عدد الصفحات:296
نبذة:
تهتم معظم مقالات الكتاب -كما يوحي اسمه- بقضايا الناس وهمومهم ومشكلاتهم، فهي مقالات اجتماعية واقعية. ولما كان كثير منها مما أُذيع من إذاعة دمشق (حين كان للشيخ حديث أسبوعي يُذاع منها كل يوم جمعة) فإنها قد جاءت وصفاً لما في المجتمع من مشكلات وسعياً إلى المعالجة والإصلاح.
(أحسن كما أحسن الله إليك)
نظرت البارحة فإذا الغرفة دافئة والنار موقدة، وأنا على أريكة مريحة، أُفكر في موضوع أكتب فيه، والمصباح إلى جانبي، والهاتف قريب مني، والأولاد يكتبون، وأمهم تعالج صوفاً تُحيكه، وقد أكلنا وشربنا، والراد (الراديو) يهمس بصوت خافت، وكل شيء هادئ، وليس ما أشكو منه أو أطلب زيادة عليه.
فقلت "الحمد لله"، أخرجتها من قرارة قلبي، ثم فكرت فرأيت أن "الحمد" ليس كلمة تُقال باللسان ألف مرة، ولكن الحمد على النعم أن تُفيض منها على المحتاج إليها.
حمدُ الغني أن يُعطي الفقراء، وحمدُ القويّ أن يُسعد الضعفاء وحمدُ الصحيح أن يُعاون المرضى، وحمدُ الحاكم أن يعدل في المحكومين، فهل أكونُ حامداً الله على هذه النعم إذا كنت أنا وأولادي في شيعٍ ودفء وجاري وأولاده في الجوع والبرد. وإذا كان جاري لم يسألني أفلا يجبُ عليّ أنا أن أسأل عنه؟
وسألتني زوجتي: فيم تُفكر؟ فقلتُ لها.
قالت: صحيح، ولكن لا يكفي العباد إلا من خلقهم، ولو أردتَ أن تكفي جيرانك من الفقراء لأفقرت نفسك قبل أن تُغنيهم.
قلت: لو كنتُ غنياً لما استطعت أن أُغنيهم، فكيف وأنا رجلٌ مستور، يرزقني الله رزق الطير، تغدو خماصاً وترجع بطاناً؟
لا. لا أُريد أن أغني الفقراء، بل أريد أن أقول إن المسائل نسبية، وأنا بالنسبة إلى أرباب الآلاف المؤلفة فقير، ولكني بالنسبة إلى العامل الذي يُعيل عشرة وما له إلا أُجرته غني من الأغنياء، وهذا العامل غنيّ بالنسبة إلى الأرملة المفردة التي لا مورد لها ولا مال في يدها، وربُّ الآلاف فقير بالنسبة لصاحب الملايين؛ فليس في الدنيا فقيرٌ ولا غنيّ فقراً مُطلقاً وغِنىً مطلقاً، وليس فيها صغير ولا كبير.
تعليقات
إرسال تعليق